تفوّقَتْ لبنا الجعرور في كل مراحل دراستها، لكنها تزوّجت بسنٍ صغير، وأنجبت الأبناء تِباعًا، ورغم ذلك كانت مُصرّةً على دراسة الجامعة، فهي حلمها الجميل، لقد كان البحث عن العلم والرغبة في التعلّم والدراسة يشغل بالَها، لكن صعوبة الظروف المادية حالت دون دراستها بعد تسجيلها للعلوم السياسية.
وكذلك كان سوء الوضع المادي سببًا في توقّف زوجِها عن دراسة الهندسة فلجأ للعمل في الدّهان والديكورات، أما لينا فلجأت لصناعة الحلوى والمعجنات التي تعلّمتها من جدّتها حين كانت ترافقها عملَها دومًا في طفولتِها.
كان الأمرُ مرهقًا لها ما بين رعاية الأبناء وتلبية طلبات الزبائن، فتوقّفت عنه، وانتقلت لصناعة مواد التنظيف فرغبتها في تعلم كل ما هو جديد كانت تصارعها، فسألت وبحثت وبذلت جهدًا كبيرًا في الحصول على المعلومات حول تلك الصناعة، ثم حصلت على دورة تدريبية مميزة، وانتقلت للتدريب الإلكتروني مع كيميائيين من جنسيات مختلفة وتعلمت صناعة الكريمات ومواد التجميل بعد اجتيازها الاختبارات حتى تعلمت وتعرفت على الكثير من أسرار تلك الصناعة وباتت تصنعها بحب وشغف.
واليوم تعمل لبنا من داخل بيتها تصنع المنظفات بأنواعها المختلفة والعطور والشامبو والبلسم ما يجعلها قادرة على تحصيلٍ دخلٍ يسيرٍ تضمن به تيسير أمور بيتها واحتياجات أبنائها، دخلٍ يضمن لهم العيش بكرامةٍ في ظل سوء الوضع الاقتصادي وانعدام فرص العمل في قطاع غزة، ودون أن تضطر للجوء للديون التي كانت تتراكم عليهم، وقد انتهت منها الآن، لكنها بالطبع لا تستطيع استكمال الجامعة وتحقيق حلمها من خلال هذا العمل، إلا أن إحساسًا وأملًا مستمرًا بداخلها يخبرها أنها ستفتح ذات يوم مشروعها الخاص وأن حلمها سيتحقق يومًا ما لأن العلم لا يحدّه عمر، فقد كان والدها يخبرها بذلك دومًا، وهو الذي توفي عن عمر يناهز 58 عامًا وهو يدرس الدراسات العليا، والذي لم يكن يعيبه أن يرعى أولادَها في صغرهم ويهتم بهم لبعض الوقت، ليترك لها فسحةً منه لحضور أمسياتٍ شعريةٍ أو ندوات تثقيفية، لشدة تعلقه بالتعلم والمعرفة.